الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره يقول في العقيدة الغوثية : ( قلبي قطبي وقالبي لبناني سري خضري وعينه عرفاني هارون عقلي وكليمي روحي فرعوني نفسي والهوى هاماني ) .
الشيخ كمال القاشاني يقول : « الخضر هو صورة اسم الله الباطن ، و مقامه مقام الروح ، وله الولاية والغيب وأسرار القدرية ، وعلوم الهوية والآنية والعلوم اللدنية .. أما موسى فهو صورة اسم الله الظاهر ، وله علوم الرسالة والنبوة والتشريع .. فإذن فالحوار الدائر بين موسى والخضر عليهما السلام ليس قصراً عليهما ، ولكنه موازنة بين مطلق رسول ومطلق ولي » .
والشيخ علاء الدولة السمناني قال في الخضر : « كنية الخضر أبو العباس وهو المثلث بالخصائص من الصفة العبدية ، والرحمة العندية ، والعلوم اللدنية ، كما نطق به الكتاب الحميد بقوله : فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما .
وبيَّن الشيخ ابن عربي ، الطريق والطريقة لتحصيل العلم اللدني لطالب الحق تعالى ، فقال :
« إن المتأهب إذا ألزم الخلوة والذكر ، وفرغ المحل من الفكر ، وقعد فقيراً لا شيء له عند باب ربه ، حينئذ يمنحه تعالى ويعطيه من العلم به والأسرار الإلهية والمعارف الربانية التي أثنى الله سبحانه بها على عبده خضر ، فقال : عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً .
و أخرج بن المنذر وغيره عن أبي العالية قال : « كان الخضر عبداً لا تراه الأعين إلا من أراد أن يراه الله إياه ، فلم يره من القوم إلا موسى ، ولو رآه القوم حالوا بينه وبين خرق السفينة وبينه وبين قتل الغلام » .
وحول هذا الموضوع دلَّت النصوص والروايات الواردة في هذا الشأن على أمور .
1 - إن الخضر قد يُظهر نفسه بأمر الله تعالى للبعض من الصالحين وغيرهم لأسباب خاصة .
2 - إنه قد يكشف الله تعالى لبعض العباد عن أبصارهم أو بصائرهم فيرونه دون غيرهم ، وقد لا يعلم هو بذلك إلا بعد أن يخاطبه الرائي .
3 - هذه الخصائص ناتجة عن تحققه بمرتبة ولاية خاصة جعلت جسمه متروحن ، ففنى عن الطعام والشراب الحسي ، وهو في مقابل تجسد بعض الملائكة وتمثلهم بصورة البشر .
وفي هذا المعنى يقول السيد الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره : « من الأولياء من يفنى عن الأكل والمشروب وينعزل عن الخلق ويحجب عنهم ويعمر في الأرض بلا موت [ مثل ] الخضر ، لله عدد كثير منهم محجوبون في الأرض يرون الناس وهم لا يرونهم » .
روى الترمذي بسنده قال : « بينما علي بن أبي طالب يطوف الكعبة ، إذا هو برجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول : يا من لا يشغله سمع عن سمع ، ويا من لا يغلطه السائلون ، ويا من لا يبرم بإلحاح الملحّين ، ارزقني برد عفوك وحلاوة رحمتك ، قال : فقال له الإمام علي : يا عبد الله .. أَعد دعائك هذا ، قال : أَوقد سمعته ؟ قال : نعم ، قال : فأدع به في دبر كل صلاة فوالذي نفس الخضر بيده ، لو كان عليك من الذنوب عدد نجوم السماء ومطرها وحصى الأرض وترابها ، لغفر لك أسرع من طرفة عين » ، وقول الخضر ( أَوَقَد سمعته ؟ ) يشير إلى أنه موجود يتعبد ، ويفتح الله لمن يشاء رؤيته ، أو سماعه ، أو لقاءه .
وذكر صاحب قلائد الجواهر : « أنه لما دخل إلى بغداد [ الشيخ عبد القادر ] وقف له الخضر ومنعه من الدخول وقال له : ما معي أمر أن تدخل إلا بعد سبع سنين ، فأقام على الشط سبع سنين يلتقط من البقالة من المباح حتى صارت الخضرة تبين من عنقه ، ثم قام ذات ليلة فسمع الخطاب : يا عبد القادر ادخل بغداد » .
وروي عن الشيخ أبي مدين الغوث رضي الله عنه أنه قال : لقيت الخضر عليه السلام فسألته عن مشايخ المغرب والمشرق في عصرنا , وسألته عن الشيخ عبد القادر , فقال : هو إمام الصديقين , وحجة على العارفين , وهو روح في المعرفة , وشأنه الغربة بين الأولياء , وانأ أصرف مراتب الأولياء من وراء إشارته .
ويقول السيد الشيخ أحمد الرفاعي الكبير قدس الله سره : « رأيت الخضر مراراً ، وسمعت منه ، وهو من أهل التكليف بالشرع المحمدي » وفي مرة من المرات كان الشيخ الرفاعي يدرس في مجلسه ، فسأله سائل لا يعرفه ، فقال له : ما معنى ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ ) ؟ فتحير ولم يجد جواباً ، فسكت ، ثم نام ليلاً ، فرأى النبي في المنام ، فسأله عن الآية ، فقال له : ( شؤوناً يبديها ولا يبتديها ) فلما عاد للدرس من غد ، عاد السائل إليه فسأله ، فقال له : شؤوناً يبديها ولا يبتديها ، فقال له : صلِ على من علمك وظهر أن السائل هو الخضر » .
ويقول الشيخ السرهندي : « رأيت في حلقة الصبح أن ... الخضر حضر في صورة الروحانيين ، فقال الخضر بالإلقاء الروحاني : نحن من عالم الأرواح ، قد أعطى الحق سبحانه أرواحنا قدرة كاملة ، بحيث تتشكل وتتمثل بصورة الأجسام ويصدر عنها ما يصدر عن الأجسام من الحركات والسكنات الجسمانية والطاعات والعبادات الجسدية ، فقلت له في تلك الأثناء ، أنتم تصلون الصلاة بمذهب الأمام الشافعي ، فقال : نحن لسنا مكلفين بالشرائع ، ولكن لما كانت كفاية مهمات قطب المدار مربوطة بنا وهو على مذهب الإمام الشافعي نصلي نحن أيضاً وراءه بمذهب الإمام الشافعي ، فعلم في ذلك الوقت أنه لا يترتب الجزاء على طاعتهم ، بل تصدر عنهم الطاعة والعبادة موافقة لأهل الطاعة ومراعاة لصور العبادة » .
ويقول الشيخ محمد مهدي الرواس الرفاعي : « جاء رجل أخذتني هيبته مني ، حتى كدت أن أغيب عني ، فسلم ... فألقى الله تعالى رحمة بي في قلبي أنه الخضر ، فقمت وقبلت يده وركبته ، فبارك لي ورحب ، وقال : اجلس ، أنا هو الذي مر بخاطرك ، هات يدك أصافحك كما صافحت جدك رسول الله فقبض يدي ، وقبضت يده ، ثم شابكني فشابكته ، وقال : هكذا صافحت وشابكت النبي ، وبشرني بعدها بالجنة ، وإن من يشابكني ، ويصافحني معنا في الجنة ، وكذا إلى سبع فحمدت الله ».