خصال أهل المجاهدة و المحاسبة و أولي العزم في الطريقة القادرية
=====================================
قال سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه و أرضاه :
لأهل المجاهدة و المحاسبة و أولي العزم عشر خصال جوبوها , فإذا أقاموها و أحكموها بإذن الله تعالى وصلوا إلى الله المنازل الشريفة :
الخصلة الأولى:
========
أن لا يحلف بالله عز وجل صادقا و لا كذبا عامدا ولا ساهيا لأمه إذا أحكم ذلك من لنفسه و عود لسانه رفعه ذلك إلى ترك الحلف ساهيا و عامدا فإذا اعتاد ذلك فتح الله بابا من أنواره يعرف منفعة ذلك في قلبه و رفعه من درجة وقوة في عزمه و في صبره و الثناء عند الإخوان و الكرامة عند الجيران حتى يأتم به من يعرفه و يهابه من يراه .
الخصلة الثانية :
========
يجتنب الكذب لا هازلا و لا جادا لأنه إذا فعل ذلك و أحكمه من نفسه و اعتده لسانه شرح الله تعالى صدره وصفا به علمه كأنه لا يعرف الكذب و إذا سمعه من غيره عاب ذلك عليه و عيره به في نفسه وإن دعا له بزوال ذلك كان له ثواب .
الخصلة الثالثة :
========
أن يعد أحدا فيخلفه و يقطع العدة البتة فإنه أقوى لأمره و أقصد بطريقة لأن الخلف من الكذب فإن فعل ذلك فتح له باب السخاء و درجة الحياء وأعطى مودة في الصادقين و رفعة عند الله جل ثناؤه .
الخصلة الرابعة :
=========
أن يجتنب أن يلعن شيء من الخلق أو يؤذي ذرة فما فوقها لأنها من أخلاق الأبرار و الصديقين و له عاقبة حسنة في حفظ الله تعالى في الدنيا مع ما يدخر له من الدرجات و يستنقذه من مصارع الهلاك . ويسلمه من الخلق ، ويرزقه رحمة العباد ، ويقربه منه عز وجل >
الخصلة الخامسة :
=========
أن يجتنب الدعاء على أحد من الخلق وإن ظلمه فلا يقطعه بلسانه ، ولا يكافئه بقول ولا فعل ، فإن هذه الخصلة ترفع صاحبها إلى الدرجات العلى . وإذا تأدب بها ينال منزلة شريفة في الدنيا والآخرة ، والمحبة والمودة في قلوب الخلق أجمعين من قريب وبعيد ، وإجابة الدعوة والغلوة في الخلق ، وعز في الدنيا في قلوب المؤمنين
الخصلة السادسة :
==========
أن لا يقطع الشهادة على أحد من أهل القبلة بشرك ولا كفر ولا نفاق ، فإنه أقرب للرحمة ، وأعلى في الدرجة وهي تمام السنة ، وأبعد عن الدخول في علم الله ، وأبعد من مقت الله وأقرب إلى رضاء الله تعالى / فإنه باب شريف كريم على الله تعالى يورث العبد الرحمة للخلق أجمعين .
الخصلة السابعة :
=========
أن يجتنب النظر إلى المعاصي ويكف عنها جوارحه فإن ذلك من أسرع الأعمال ثواباً في القلب والجوارح في عاجل الدنيا ، مع ما يدخره الله من خير الآخرة . نسأل الله أن يمن علينا أجمعين ويعلمنا بهذه الخصال وأن يخرج شهواتنا عن قلوبنا .
الخصلة الثامنة :
========
يجتنب أن يجعل على أحد من الخلق منه مؤنة صغيرة و لا كبيرة بل يرفع مؤنته عن الخلق أجمعين مما احتاج إليه و استغنى عنه فإن ذلك تمام عزة العابدين وشرف المتقين و به يقوى على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و يكون الخلق عنده أجمعين بمنزلة واحدة فإذا كان ذلك نقله الله إلى الغناء و اليقين و الثقة به عز و جل و لا يرفع أحد سواه و تكون الخلق عنده في الحق سواء و يقطع بأن هذه أسباب عز المؤمنين و شرف المتقين وهو أقرب باب الإخلاص .
الخصلة التاسعة :
=========
ينبغي له أن يقطع طمعه من الآدميين و لا يطمع نفسه فيما في أيديهم فإنه العز الأكبر و الغنى الخاص الملك العظيم و الفخر الجليل و اليقين الصافي و التوكل الشافي الصريح و هو باب من أبواب الثقة بالله عز وجل و هو باب من أبواب الزهد و به ينال الورع و يكمل نسكه و هو من علامات المنقطعين إلى الله عز وجل .
الخصلة العاشرة :
=========
التواضع لأن به يشيد محل العابد و تعل و منزلته و يستكمل العز و الرفعة عند الله سبحانه و عند الخلق و يقدر على ما يريد من أمر الدنيا و الآخرة و هذه الخصلة أصل الخصال كلها و فروعها و كمالها و بها يدرك العبد منازل الصالحين الراضين عن الله تعالى في السراء و الضراء وهي كمال التقوى .
و التواضع : هو أن لا يلاقي العبد أحدا من الناس إلا رأى له الفضل عليه و يقول عسى أن يكون عند الله خيرا مني و أرفع درجة فإن كان صغيرا قال هذا لم يعص الله تعالى و أنا قد عصيت فلا شك أنه خير مني و إن كان كبيرا قال هذا عبد الله قبلي و إن كان عالما قال هذا أعطي ما لم أبلغ و نال ما لم أتل و علم ما جهلت و هو يعمل بعلمه و إن كان جاهلا قال : هذا عصى الله بجهل و أنا عصيته بعلم ولا أدري بم يختم لي وبم يختم له و إن كان كافرا قال لا أدري عسى أن يسلم فيختم له بخير العمل وعسى أكفر فيختم لي بسوء العمل و هذا باب الشفقة و الوجل وأولى ما يصحب و آخر ما يبقى على العباد فإن كان العبد كذلك سلمه الله تعالى من الغوائل و بلغ به منازل النصيحة لله عز وجل و كان من أصفياء الرحمن و أحبائه و كان من أعداء إبليس عدو الله لعنه الله و هو باب الرحمة ومع ذلك يكون قطع باب الكبر و جبال العجب و رفض درجة العلو في نفسه في الدين و الدنيا و الآخرة و هو مخ العبادة و غاية شرف الزاهدين و سيماء الناسكين فلا سيء منه أفضل و مع ذلك يقطع لسانه عن ذكر العالمين و ما لا يغني فلا يتم له عمل إلا به و يخرج الغل والكبر والبغي من قلبه في جميع أحواله و كان لسانه في السر والعلانية واحد ومشيته في السر و العلانية واحدة و لا يكون من الناصحين و هو يذكر أحدا من خلق الله بسوء أو يعيره بفعل أو يحب أن يذكره عنده واحد بسوء وهذا آفة العابدين و عطب النساك و هلاك الزاهدين إلا من أعانه الله تعالى وحفظ لسانه وقلبه برحمته وفضله وإحسانه .
=====================
فتوح الغيب / المقالة الثامنة والسبعون